رواية جديده رحلة آثام بقلم منال سالم
ما نسيتنا زمان.
قست كامل تعبيراتها واسودت نظراتها وهي تدعو في حړقة
ربنا يخلص منها وتشوف الغلب والمرار في حياتها!
شعرت بوطأة حقدها عليها يتأصل بداخلها وتركت تأثيره السيء يتغلغل فيها مؤكدة لنفسها أنها تستحق هذه العداوة جراء ما ارتكبت من قطيعة وخصام.
......................................
كقطعتين من فاكهة الجنة تململت الرضيعتان في رقة وهما مستلقيتان في سريرين متجاورين تموءان في صوت خفيض كاستجابة لملاطفة شقيقهما الأكبر لهما مرر أوس ناظريه بينهما تأملهما في صمت وراح يداعب كل واحدة على حدا وكأنه يستكشف طبيعة شخصيتيهما غير المفهومة له باللعب الحذر معهما. لم يشعر بمراقبة والدته له كانت الأخيرة مستمتعة برؤية ابنها البكري يبدي اهتمامه بالطفلتين كانت تخشى من عدم تقبله لهما تبددت مخاوفها مع ما تشهده في هذه اللحظات المميزة تشجعت لتمضي تجاهه وهي تقول في صوت أمومي مملوء بالفخر
وضعت يدها حول كتفيه وضمته إلى صدره لتضيف بعدها في شيء من التوصية
إنت أخوهم الكبير لازم تاخد بالك منهم دايما ومتخليش حاجة تأذيهم.
أبقى أوس على نظراته الحائرة موزعة بينهما ثم سألها فجأة وكأن هناك سؤال ما علق في رأسه
هما ممكن يكرهوني
تخشب ذراعها على كتفيه فالتفتت كليا تجاهه وأجبرته على الاستدارة ومواجهتها اندهشت لتفكيره المريب وسألته بشيء من القلق والتخبط
ليه بتقول كده يا حبيبي
بلا تزييف أجابها
عشان أنا مش بحب باباهم.
لن تنكر أنها أحست بالضيق لجوابه الصريح والذي أصابها بالكدر لفظت دفعة من الهواء وتكلمت في تحيز محاولة إظهار عدم صواب تفكيره ناحيته
أصر على كراهيته له بقول المزيد وكأنه يفضح عيوبه التي تتغاضى عنها
هو كداب.
وقتئذ ثارت لما اعتبرتها إهانة وقحة موجهة لزوجها فاشتدت قبضتيها على منبتي كتفيه وعنفته في ڠضب منفعل وقد راحت تهزه بعصبية
عيب تقول كده عليه ده ليه مقامه واحترامه وأنا مش هسمحلك تقل منه.
بقوة غريبة سرت في عروقه دفع قبضتيها عنه ليتحرر منها ثم اندفع نحو الخارج متجاهلا زعيقها
استنى هنا! إنت رايح فين
تجمدت في مكانها وقد بدأت الرضيعتان تبكيان لصوت صړاخها المفزع نظرت إليهما بتحير وتساءلت بعدما تهدل كتفاها في إحباط
لحظتها شعرت وكأنه يصعب عليها التعامل مع ما أسماه زوجها بتمرده الصريح على قواعد الأسرة أطرقت رأسها في ضيق وظلت تقول بصوت يائس
شكلك هتبقى واخد طريقة أبوك متعب لكل اللي حواليك!
لم تلحق به وأثرت إهماله إلى حين إدراكه مدى خطأه إذ ربما يكف عن التصرف بطفولية معاندة ويتحمل نتائج سلوكه غير المنضبط.
........................................
ما لسه بدري يا عوض
تقدمت ناحيتها قائلا في نبرة هادئة مغلفة بالتعب
ما أنا قايلك مسافر البلد النهاردة أزور أمي في تربتها.
وكأن الإتيان على سيرتها في هذه اللحظة المشحونة جعل زمام الأمور ينفلت فاڼفجرت صاړخة فيه دون مقدمات
اربد وجهه بالضيق واستعتبها
مش وقت معايرة يا فردوس!
جاء
ردها مثلها فظا
ياخي حس بيا هو إنت بتعمل حاجة أصلا
ثم خفضت من نبرتها لتتم جملتها
ده إنت ناقص تشحت على باب الجامع!
لم يتبين ما قالته بوضوح ولم يكترث فقط هتف بها في وجه عابس
خلاص هي تقى فين
طوحت بيدها للأمام وهي تجيبه
أهي موجودة على السرير.
اتجه نحو غرفة نومهما وبكل حنان وترفق حمل رضيعته وضمھا بين ذراعيه أخذ يهدهدها في لطافة حتى سكنت وهدأت ونامت في براءة سار بها للخارج ليجد زوجته لا تزال واقفة ترمقه بنظرة حانقة فقال كأنما يعلمها
أنا هروح بيها الأوضة التانية.
لوت ثغرها مغمغمة
يكون أحسن.
قبل أن يسير مبتعدا بها لاحظ ذبول وجه رضيعته فاستطرد مخاطبا إياها في قلق
البت شكلها ضعيف وهفتان.
في تذمر متواصل أجابته
هعملها إيه إن كان لبني مش مكفيها
قطب جبينه معقبا بجدية
نوديها لدكتور يقولنا الحل دي عطية ربنا لينا ماينفعش نهملها.
في التو أظهرت سخريتها من حمئته الزائدة
اتصرف إنت ولا عاوزني أشق الأرض تطلع بطيخ
كانت في واقع الأمر تكره التصرف بهذا القدر من التذمر والشكوى ولكن مع المؤامرات المستمرة من حماتها والخذلان المتواصل ممن حولها تبدلت للنقيض وأصبحت غير مراعية ما لبث أن تحولت نبرتها لتهكم فج عندما أتمت توبيخها
حط في عينك حصوة ملح ده إنت راجل البيت يا راجل!!
كظم عوض غضبه في نفسه فما أخبرته به وإن كان قاسېا لاذعا إلا أنها محقة عكس وجهه الضيق الذي يتمرغ فيه فتنفس بعمق ورد
حاضر يا فردوس هشوف حل.
اندهشت من عدم إبدائه لأدنى ردة فعل جراء تعصبها الزائد عليه وللغرابة استلذت بذلك الشعور الذي نجحت فيه ولو بقدر بسيط في فرض سيطرتها على أمر بعينه. ابتسمت لنفسها في نشوة وقالت بعزم وعيناها تلمعان بذلك الوميض الحاد
من هنا ورايح هتبقى المعاملة كده!
بالتدريج لم تعد فردوس تلك الشابة المنطوية والمقهورة التي تعيش في ظل الآخرين بل بدأت في اكتساب صفات أخرى مناقضة لطبيعتها السابقة ووسمت شخصيتها بشيء آخر أكثر جفاء وغلظة.
................................................
منذ أن عاد إلى هنا وهو يتهرب منه بعشرات الحجج حتى مسكنه الجديد الذي انتقل إليه لم يخبره عنه بل وأخفى عنوانه لئلا يصبح مرغما على استضافته فاضطر ممدوح لمقابلة رفيقه في غرفة مكتبه بالمشفى بالطبع وصل إلى مسامعه الأخبار المتعلقة بخطبته لصاحبة الثراء والدلال فامتلأت نفسه بالغيرة والحقد ناحيته ما أغاظه حقا أنه عرف بالأمر بالمصادفة وليس كعهده معه حينما يطرأ المستجد لديه يهاتفه أولا ويتفاخر بما حقق من إنجازات غير مسبوقة وكأنه ظفر بانتصار ساحق. وقع ممدوح في حيرة من أمره من تصرفاته الأخيرة معه وسأله في نوع من المعاتبة الحذرة
وبقيت أنا آخر من يعلم
نظر له مهاب من طرف عينه ولم يعلق عليه مدعيا انهماكه في مطالعة ما لديه من ملفات تخص مرضاه ذوي الحالات الطارئة فاستأنف ممدوح كلامه السخيف إليه بطريقة شبه هازئة
ده أنا حتى هفرح عشانك إمبراطورية الجندي اندمجت مع آ..
ضجر من سماعه لنفس الحديث الرتيب لهذا قاطعه في صوت اتخذ شكلا آمرا
سبيك من الرغي اللي مالوش لازمة دي مسائل عائلية تخصني أنا وبس.
رغم إحراجه المتعمد له إلا أنه استمر محافظا على ثبات ابتسامته المتكلفة وقال
ماشي يا سيدي مبروك وعقبال الليلة الكبيرة.
رد مجاملا باقتضاب ووجهه يكسوه ذلك الطابع الجدي
الله يبارك فيك.
في خبث ماكر سأله ممدوح وهذه النظرة الغامضة تتراقص في مقلتيه
أومال ابنك عنده خبر
استغرب من طبيعة سؤاله وأجابه بشكل مباشر
طبعا ما هي دي هتبقى أمه الجديدة.
أرجع رأسه للخلف مظهرا استرخاء أكبر على المقعد ثم استطرد معقبا بما بعث الشك في
نفسه
طب خد بالك بدل ما يخربها عليك.
مجددا حذره مهاب في رنة صوت صارمة وقد رفع إصبعه أمام وجهه
ممدوح! إلزم حدودك! اللي بتتكلم عنه ده ابني!
أشار له الأخير بيده قائلا بتعقل وكأنه يستدرجه بالحيلة ليقع في بئر الشكوك
اسمعني بس ده أنا غرضي نصيحتك...
على مضض أصغى إليه رفيقه بترقب خاصة عندما أكمل بنفس الهدوء اللئيم
أوس ابنك متمرد مش زي ما إنت مفكره ممكن في لحظة يبوظلك كل حاجة زي ما بيعمل تملي مع تهاني.
هنا صاح به في غير تساهل
أنا حاجة ومراتك حاجة تانية خالص أحسنلك ماتقارنش بينا.
تحدث من زاوية فمه قائلا باستخفاف
خليك مصدق الحجة دي إنت بس اللي بعيد ومش عارف تصرفاته.
أحس بالانتقاص من قدره فهدر في تشنج ويده تطرق بعصبية على سطح مكتبه
وأنا قادر أوقفه لو غلط.
حينئذ انتصب في جلسته هاتفا بابتسامة شريرة
زي الفل اتفقنا على حاجة إن ابنك محتاج توجيه.
أطبق مهاب على شفتيه ممتعضا فواصل رفيقه الحديث بسخرية محسوسة
وأنا من جهتي هوصيه يعامل مرات أبوه المستقبلية بلطافة زي ما بيتعامل معايا باحترام!
حدجه بنظرة مشتاطة قبل أن يعلق
ما هو واضح!
بتكاسل نهض ممدوح من موضعه قائلا في زهو مغيظ
هسيبك لشغلك وأروح لجوز الكناريا حبايبي...
في البداية لم يفهم مهاب مقصده واستشعر رفيقه ذلك من طريقة تحديقه الغريبة به لهذا استرسل باسما
أصلي طول عمري بعشق البنات وخلفتي لما طلعت بنات بقيت حاسس إني ملك.
ظهر الضيق على محياه من طريقته اللعوب في استفزازه ومع ذلك لم يمنحه الأفضلية بالشعور بانتصاره في شيء يعتبره من السهل تحقيقه إن تزوج بأخرى. ظل يتابعه بنظرة غير مقروءة وهو يغادر حجرته ليؤكد لنفسه في غرور
الشاطر هو بس اللي يضحك في الآخر يا ممدوح!
.............................................
عاشت لسنوات وفق قواعد معينة مرسومة منذ البداية لتخطط مصير حياتها إلا أن ظهوره المصحوب بالنفوذ والثراء مع بعض الغموض المثير جعله بالتدريج أحد اهتماماتها إلى أن صار بعد فترة على قائمة أولوياتها فثمة شيء في شخصه الواثق يدفعها للتقرب أكثر إليه. خطبتها إليه تمت لتعزيز روابط القوة والسلطة وتوسيع الإمبراطورية العريقة بين اثنين من أكبر رجال الأعمال. لم يكن ليحدث أي من ذلك دون موافقتها. حجزت ناريمان في رحلة جوية مرتب لها مسبقا والتقت بخطيبها في فيلته الصغيرة دارت بعينيها في أرجاء حديقته ذات المساحة المحدودة وقالت بعجرفة طفيفة
مش حابة إنك تضايق مني عشان صممت أجي هنا من حقي أشوف المكان اللي هعيش فيه.
أخبرها مهاب بنبرة مؤكدة وهو يلصق بثغره هذه الابتسامة المنمقة
ده وضع مؤقت احنا هنستقر تاني في مصر.
ردت في حبور بعدما مدت ذراعها لتمسك بكأس مشروبها البارد
يكون أفضل مش حابة أبوظ روتين حياتي.
قال في شيء من المكر ليضمن إبقاء تأثيره عليها
وأنا مقدرش أعمل حاجة تضايقك.
أعادت الكأس لموضعه على الطاولة وهي تنظر إليه فقد استحسنت ذلك الشعور الذي يراودها بالرضا والتميز وهي في حضوره وكان الأخير محترفا بالقدر الذي استطاع بتمهل التعامل مع طباعها الأرستقراطية بالطريقة التي أوقعتها في شباك غرامه وإن كانت لا تزال تعاند وتنكر أنها باتت تهواه. تنبه لها حينما تأوهت بصوت خفيض نظر إلى حيث وضعت يدها على جانبها انتقل من مقعده المجاور لها ليصبح في مواجهتها وهو يسألها في صوت قلق
مالك إنتي كويسة
انحنت للأمام لتقاوم شعورها بالوخزات الحادة التي عصفت بجانبها وكأنها خنجر ېطعنها بلا هوادة لم تستطع التحمل وأخبرته
مش عارفة حاسة بنغزات جامدة كده في جنبي.
حاول فحصها ظاهريا لكنها لم تمنحه الفرصة وبررت إليه سبب شعورها بهذا الإعياء
المفاجئ
ممكن يكون القاولون تعبني شوية.
سألها بلهجة الطبيب المتمرس ليتحقق من شكوك قد راحت تساوره
إنتي بتشتكي منه
أجابته بإيماءة من رأسها
الدكتور من فترة قالي كده عندي قاولون عصبي.
جثا على ركبته أمامها وطلب منها في إلحاح
طيب أنا بصفتي دكتور وخطيبك في