الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مذاق العشق المر بقلم سلمى المصري

انت في الصفحة 43 من 66 صفحات

موقع أيام نيوز

حقيبتها قبل ان تمد يدها الى مقبض الباب 
أمسك الرجل بكفها وهو يضغط عليه قائلا بصوت هادىء مرعب أشبه بفحيح الافعى 
انتى عارفة اتفاقنا تزودي كلمة معاه عارفة كويس ايه اللى هيجرى 
هزت رأسها وأخذت نفسا عميقا وهي تدعو الله ان ينجيها ارتعد كفها وفتحت الباب وهي تنظر الى عينى ذلك الرجل الشامتة نظرة اخيرة 
بدأت تخطو فى تردد لا تشعر بطراز الغرفة الراقى ولا حتى بالهواء الذي تتنفسه عيونها تبحث في تلقائية عن ذابحها تراجعت فى ذعر وهي تطالعه معطيا لها ظهره ترى دخان سيجارته يتصاعد ويتصاعد وكأنه دخان نيرانه التى اعدها ليحرقها بها انه هو قال دون ان يستدير اليها 
أخيرا جيتي 
لم ترد وظلت على صمتها وبعد لحظة واحدة تسرب صوته الى أذنها ومنه الى خلايا مخها التى تعرفته على الفور فتسمرت فى مكانها وكادت ان تفقد وعيها 
لم يعط لتعجبها وقتا اطول اذ استدار لها ووقف لحظات يتأملها من اخمص قدمها الى رأسها وهو يبتسم فى شماتة قائلا 
اخيرا 
وفى لحظة عادت ذكريات العامين الماضيين تمر بسرعة امام عينيها كفيلم قصير فبعد انفصالها عن يوسف البدري وعودتها مع أخيها الى المنزل القديم كان لزاما عليها ان تبحث عن عمل فقد رفضت أي مساعدة من عائلته وبالأخص زين ولكن كونها طليقة ليوسف البدرى يجعلها قيد أمرين لاثالث لهما اما استغلالها ضده او رفضها تماما لتجنب اى مشاكل معه ومن عمل الى عمل لاقت الرفض 
حاولت ان تدير مقهى ابيها ففشلت فى الأمر بجدارة فلم يكن أمامها سوى بيعه لتستطيع تدبير امورها والانفاق على اخيها ومدرسته الخاصة باهظة التكاليف فهى لم تفكر تماما فى ازاحته عنها 
اخذت النقود تتضاءل وتتضاءل وهي حقا لاتعرف ماذا تصنع حتى جاء الڤرج من السماء على هيئة ساكن جديد اخبرها حارس المنزل انه يريد تأجير الشقة التى تمتلكها مقابلة للاخرى التى تسكنها مع اخيها وافقت بالطبع فحاجتها للمال لم تدع لها فرصة لتفكر من الأساس وجاء الساكن الجديد 
فارس 
مدرس هادىء الطباع لاتراه ايلينا الاوقت دفع الايجار فقط لم يزعجها او يضايقها ابدا فى شىء بل كان ملاكها الحارس فى اليوم الذى لجأت فيه الى يوسف وخذلها 
لن تذهب ذكرى هذا اليوم من بالها ابدا حين تهجم فؤاد ابن عمها عليها فى الثانية صباحا وجدته أمامها يطرق الباب بقوة ففتحت له حتى لايثير لها المشاكل تخيلت انها ستصرفه بهدوء وينتهى الأمر كما كانت تفعل معه دائما 
لم تعرف ان هذه المرة ستختلف كثيرا فقد همس لها فؤاد فى وقاحة بمجرد أن فتحت له الباب 
واخيرا يا ايلينا اتطلقتى وبقيتى ليا 
ودفعها پعنف شىء ما ليدلف الى المكان 
رمقته باحتقار 
طالعت هيئته التى يبدو ان الخمر قد اذهب بما تبقى من تعقل بها لتقول وهى تشير بثبات الى الباب 
اخرج برة يا بنى ادم انت اطلع برة 
نظر فؤاد الى الباب ليتجه ويغلقه في برود ويعقد ذراعيه مواصلا فى تلذذ غريب 
لا مش خارج يوسف وطلقك خلاص شوفى مين بقا هينجدك من تحت ايدي 
تنفست في عمق تخبره بهدوء فلم يخطر ببالها ما ينتوي فعله 
اسمع يا فؤاد انا مش ممكن اقبل الجواز منك ابدا 
قهقه عاليا وهو يحاول الاقتراب منها 
ومين جاب سيرة الجواز بس دلوقتي جواز ايه ووش ايه 
امسكت بهاتفها وبمجرد ان فتح المكالمة لم تنتظر حتى ان يأتيها صوته صړخت مباشرة فى فزع 
يوسف الحقني فؤاد اټهجم عليا 
لم يأتيها اى
رد فعاودت الهتاف 
يوسف انت سامعني اعمل معروف انا انقطعت المكالمة او انهااها يوسف دون كلمة واحدة ولم يكن لديها متسع من الوقت لتفكر فى صډمتها فقد تزايدت دقات فؤاد على الباب وازداد ارتجاف علي بين ذراعيها وقبل ان ترفع هاتفها لتتصل بالشرطة سمعت صوت جلبة بالخارج فأحدهم قد كسر الباب وبعدها سمعت اصوات تحطيم اشياء بالشقة واصوات تأوهات متتالية لصڤعات ولكمات فلم تحملها قدميها اكثر لتتهالك ارضا وهى تضم علي اليها فى قوة تحاول ان تأخذ منه الامان اكثر مما تحاول ان تبثه اياه هدأت تلك الاصوات تدريجيا لتنتفض على صوت دقات هادئة على باب الغرفة وصوت فارس الرخيم يناديها 
افتحي يا ايلينا انا فارس 
مدت يدها فى تردد وخوف ونهضت لتفتح الباب فى بطء نظرت منه قبل ان تفتحه اكثر الى فؤاد الذى تكوم ارضا والى فارس الذى انتحى جانبا ليترك لها الفرصة فى الخروج اطلقت على من بين ذراعيها ونظرت الى فارس تسأله فى توتر 
انت عرفت ازاى باللى حصل 
ابتسم فارس وهو يضع يديه فى جيب بنطاله مداعبا 
العفو مدام ايلينا تحت أمرك 
لو كانا فى موقف اخر لاتسع ثغرها من دعابته وطريقته فى القائها ولكن نظرة الى فؤاد المتكوم ارضا اصابتها بالفزع فأعادت سؤالها من جديد فى ثبات وجديه لا تحتمل اى مزح ليرد فى هدوءه المعتاد 
انا جيت على صوت الدق والخبط اللى كان فى المكان وعلى صوت صرختك وصړخة علي مش محتاجة ذكاء يعنى 
نظرت اليه فى تمعن لأول مرة 
هيئته توحى بانه احد ابطال المصارعة وليس مدرسا ابدا 
يشبه الى حد كبير نجوم السينما فى هندامه وطريقته اللبقة وكل شىء 
لم يصبه مجرد خدش واحد من فؤاد او ربما هى حالة فؤاد الذى سيطر الخمر فيها على عقله فلم يتمكن من الدفاع عن نفسه 
قطع تأملها صوت فؤاد المترنح 
وده يطلع مين ده راخر 
اقترب فارس منه قائلا وهو يعقد ذراعيه بابتسامة جذابة للغاية 
اهلا فؤاد باشا ازى الحال دلوقتى 
لهجته ثقته طريقته تذكرها به 
يوسف البدرى الذى تخلى عنها منذ لحظات 
وضع فؤاد يده على رأسه ونظر اليها بعد ان تلونت پالدم هاتفا 
وحياة امك لدفعك التمن غالى 
فرك فارس كفيه 
لا يافؤاد بيه محدش هيدفع اى تمن غيرك تفتكر لو بلغنا البوليس دلوقتى هيبقا ازى الحال وياسلام بقا لو خطيبتك بنت الوزير عرفت والجوازة اتفركشت شوف انت بقا 
نهض فؤاد فى تثاقل قائلا وهو يمسك جبينه يكافح الدوار بشدة 
انت بتهددنى يا بتاع انت 
رد فارس فى برود 
اه 
نظر فؤاد الى ايلينا هامسا في ڠضب مكبوت وكأنه تعمد الا يصل تهديده الى احد غيرها وهو يميل اليها قبل ان يخرج 
مسيرك تقعى تحت ايدى لو مكنش دلوقتى بعدين وبكرة تشوفى يا 
واضاف فى تهكم 
بنت عمي 
وقبل ان يخرج تفاجىء بقبضة فارس الحديدية حول معصمه وهو يقول ببروده
الثلجى المخيف 
متفكرش يا فؤاد بيه انصحك متفكرش 
نظر اليه فؤاد بتوعد قبل ان يخطو مغادرا المكان فى تعب دون أن يرد 
التفتت ايلينا الى فارس بابتسامة ممتنة 
مش عارفة بجد اشكرك ازاى 
ابتسم فارس ابتسامته الغامضة الجذابة التى طالما اثارت حيرتها فهى لاتعرف حقا أهي ابتسامة حزينة ام حائرة ام تائهة 
شفتاه تبتسمان بينما عيناه هائمتان فى عالم اخر وقبل ان يرد سمعت صوت ارتطام فتفاجئت بعلي يسقط ارضا فاقدا للوعى 
صړخت ايلينا باسم أخيها وركعت ارضا وهى تضع رأسه على حجرها وټضرب وجنته فى رفق صاړخة فى هستيريا 
على الحقنى يا فارس اعمل حاجة اول مرة اشوفه كدة 
تحسس فارس نبضه وتنفسه بسرعة وهو يقول لها 
اهدى ايلينا هوا بس خاېف دى نوبة فزع مش اكتر حاولى تتكلمى معاه فى اى حاجة وحسسيه بوجودك 
رمقته فى دهشة من أين له اين يعرف كل هذا ولكنها نفذت ما طلبه بالضبط وضمت على اليها اكثر وهى تتحدث اليه وتقبل رأسه بينما يجلس فارس على ركبتيه امامهما حتى هدأ تنفس علي المتسارع وفتح عينيه فقبلته ايلينا على جبهته وحمله فارس الى غرفته وقبل ان يذهب سألته ايلينا فى
فضول 
انت ازاى قدرت تعرف اللى عند على 
هز كتفيه قائلا فى بساطة 
ابدا انا اخدت دورة اسعافات اولية وكنا بنعرف ازاى نفرق بين الحاجات النفسية والعضوية 
ابتسمت ايلينا له فى اعجاب واضح 
بجد يا فارس متشكرة اوى 
شعرت فى نظراته بشىء جديد اصبح يتطور يوما بعد يوم 
تزايد اهتمامه اكثر مع الوقت بينما هى كانت لاتزال تتبع اخبار يوسف رغم حنقها عليه اقنعت نفسها انه الفضول تريد ان تعرف كيف يعيش 
كيف يقضى حياته مع جينا وهل بالفعل استطاع تجاوزها 
تعرف انها الان ربما تحيا وهمها الأعظم الذى استيقظت منه على دقات بابها من فارس دق بابها و كأنه يدق قلبها يطلب الاذن بالدخول فتحت له الباب فنظر لها لحظات دون ان ينطق قبل ان يتنفس فى عمق قائلا 
ايلينا تتجوزيني 
الفصل السادس والعشرون 
هذا اخر ما تمنت ان تسمعه فى الحياة 
أغرقها بسؤاله فى حقيقة لا مفر منها ولا نجاة 
حقيقة كلمة زوج التي لا تعنى لها سوى يوسف 
الزواج ويوسف كلمتان مترادفتان بالنسبة اليها 
رغما عنها وعن كل ما حدث لايمكنها تخيل حياتها مع شخص سواه 
لا يمكنها تحمل لمسات رجل غيره 
مجرد التفكير فى هذا الأمر يصيبها بالتقزز 
لاتريد ان تتخلص من ذكرياتها معه 
لاتملك الارادة لذلك مهما حاولت حتى ان لم يكن هناك أمل فى الوصال بينهما من جديد الا ان الأمر برمته خارج عن سيطرتها 
تحبه رغم كل ما حدث 
رغم خيانته 
رغم جرحه لها وجرحها له الذى يذكرها فى كل لحظة باستحالة ان يجمعهما مكان من جديد 
لافرار من الحقيقة ابدا فلايمكنها ان تكون لرجل بعد يوسف 
مشاعرها وجسدها وذكرياتها وكل شىء قد اصبح حكرا عليه منذ زمن 
رفضت فارس 
رفضت غير عابئة بتقريعات عقلها الذى يصفها بالغباء المطلق فرجل مثله لايمكن لأي فتاة ان ترفضه 
أبت كرامته ان يبقى امامها بعد هذا الرفض فترك المنزل بعد ان ودعها 
لم تستطع ان تطلب منه البقاء فقط لأنها تحتاج الى حمايته فمن حقه ان يأخذ فرصته فى نسيانها والبدء فى حياة جديدة مع اخرى تكون له بكل جوارحها فهو اكبر من ان يكون مجرد تجربة تحتمل الفشل اكثر مما تحتمل النجاح بكثير 
ومرت الأيام تلو الأيام وحياتها على وتيرة واحدة لا تتغير حتى حدث ماحدث فى هذا اليوم حينما عادت الى منزلها بعد ان ابتاعت بعض الأشياء من السوق بدلت ملابسها وانتظرت الحافلة التى تقل اخاها من مدرسته ولكنه تأخر كثيرا عن موعده هاتفت مدرسته فأخبرته انه بالفعل استقل الحافلة التى انزلته امام البيت كالمعتاد كادت ان تجن 
هبطت بسرعة تبحث عنه خارج المنزل وحوله فربما فقد وعيه او اصطدم بشىء فتشت عنه في كل مكان فلم تجده 
جلست على السلم الخارجى للمنزل بعد ساعات من البحث ورأسها يخيل لها كل السيناريوهات المؤلمة عن ضياعه اخذت ټضرب فخديها فى قلة حيلة وهى لا تعلم ماذا تفعل ولمن تلجأ فان ابلغت الشرطة فلن يكن هناك اى تحرك قبل مرور اربع وعشرين ساعة ضړبت على جانبى رأسها فى حزن من بامكانه ايذاء طفل كفيف ولماذا 
سالت دموعها فى عجز لم تشعر به قط فى حياتها فعلي ليس مجرد اخ بل هو ولدها الذي لم تنجبه 
مرت ساعات اخرى وهى على جلستها دون

حركة حتى أسدل الظلام ستائره
42  43  44 

انت في الصفحة 43 من 66 صفحات